الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل السمود: الغِناء بلغة حِمْير.والمعنى: فرحون بأنفسكم تتغنون بالأغاني لقلة الاكتراث بما تسمعون من القرآن كقوله: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [الأنفال: 35] على أحد تفسيرين.وتقديم المجرور للقصر، أي هذا الحديث ليس أهلًا لأن تقابلوه بالضحك والاستهزاء والتكذيب ولا لأن لا يتوب سامعه، أي لو قابلتم بفعلكم كلامًا غيره لكان لكم شبهة في فعلكم، فأمّا مقابلتكم هذا الحديث بما فعلتم فلا عذر لكم فيها.{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}.تفريع على الإِنكار والتوبيخ المفرعين على الإِنذار بالوعيد، فرع عليه أمرهم بالسجود لله لأن ذلك التوبيخ من شأنه أن يعمق في قلوبهم فيكفّهم عما هم فيه من البطر والاستخفاف بالداعي إلى الله.ومقتضى تناسق الضمائر أن الخطاب في قوله: {فاسجدوا لله واعبدوا} موجه إلى المشركين.والسجود يجوز أن يراد به الخشية كقوله تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} والمعنى: أمرهم بالخضوع إلى الله والكف عن تكذيب رسوله وعن إعراضهم عن القرآن لأن ذلك كله استخفاف بحق الله وكان عليهم لما دُعوا إلى الله أن يتدبروا وينظروا في دلائل صدق الرسول والقرآن.ويجوز أن يكون المراد سجود الصلاة والأمر به كناية عن الأمر بأن يُسلموا فإن الصلاة شعار الإسلام، ألا ترى إلى قوله تعالى: {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين} [المدثر: 42، 43]، أي من الذين شأنهم الصلاة وقد جاء نظيره الأمر بالركوع في قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} في سورة المرسلات (48) فيجوز فيه المحملان.وعطف على ذلك أمرهم بعبادة الله لأنهم إذا خضعوا له حَقَّ الخضوع عبدوه وتركوا عبادة الأصنام وقد كان المشركون يعبدون الأصنام بالطواف حولها ومعرضين عن عبادة الله، ألاَ ترى أنهم عمدوا إلى الكعبة فوضعوا فيها الأصنام ليكون طوافهم بالكعبة طوافًا بما فيها من الأصنام.أو المراد: واعبدوه العبادة الكاملة وهي التي يُفرد بها لأن إشراك غيره في العبادة التي يستحقها إلا هو كعدم العبادة إذ الإِشراك إخلال كبير بعبادة الله قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} [النساء: 36].وقد ثبت في الأخبار الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ النجم فسجد فيها أي عند قوله: {فاسجدوا لله واعبدوا} وسجد من كان معه من المسلمين والمشركين إلا شيخًا مشركًا (هو أمية بن خلف) أخذ كفًّا من تراب أو حصى فرفعه إلى جهته وقال: يكفيني هذا.وروي أن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود كانا يسجدان عند هذه الآية في القراءة في الصلاة.وفي (أحكام) ابن العربي أن ابن عمر سجد فيها، وفي (الصحيحين) و(السنن) عن زيد بن ثابت قال: قرأت النجم عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد فيها.وفي (سنن ابن ماجه) عن أبي الدرداء «سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم إحدَى عشرة سجدة ليس فيها من المفصّل شيء».وعن أبي بن كعب: كان آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك السجود في المفصّل.وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في المفصل منذ تحول إلى المدينة، وسورة النجم من المفصَّل.واختلف العلماء في السجود عند هذه الآية فقال مالك: سجدة النجم ليست من عزائم القرآن أي ليست مما يسنّ السجود عندها.هذا مراده بالعزائم وليس المراد أن من سجود القرآن عَزائمَ ومنه غيرُ عزائم ف (عزائم) وصف كاشف ولم ير سجود القرآن في شيء من المفصل، ووافقه أصحابه عدا ابن وهب قرأها من عزائم السجود، هي وسجدة سورة الانشقاق وسجدة سورة العلق مثل قول أبي حنيفة.وفي (المنتقى): أنه قول ابن وهب وابن نافع.وقال أبو حنيفة: هي من عزائم السجود.ونسب ابن العربي في (أحكام القرآن) مثله إلى الشافعي، وهو المعروف في كتب الشافعية والحنابلة.وإنما سجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها وإن كان الأمر في قوله: {فاسجدوا} مفرعًا على خطاب المشركين بالتوبيخ، لأن المسلمين أولى بالسجود لله وليعضد الأمر القولي بالفعل ليبادر به المشركون.وقد كان ذلك مذكرًا للمشركين بالسجود لله فسجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسخ السجود فيها بعد ذلك فلم يروَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، ولخبر زيد بن ثابت وأُبي بن كعب وعمل معظم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل المدينة. اهـ.
.قال ابن عطية في الآيات السابقة: وقوله: {ولله ما في السماوات وما في الأرض} اعتراض بين الكلام بليغ، وقال بعض النحويين اللام متعلقة بما في المعنى من التقدير، لأن تقديره: {ولله ما في السماوات وما في الأرض} يضل من يشاء ويهدي من يشاء {ليجزي} والنظر الأول أقل تكلفًا من هذا الإضمار. وقال قوم: اللام متعلقة في أول السورة: {إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 4] وهذا بعيد، و: {الحسنى} هي الجنة ولا حسنى دونها.{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}.قوله: {الذين} نعت ل {الذين} [النجم: 31] المتقدم قبله، و: {يجتنبون} معناه: يدعون جانبًا. وقرأ جمهور القراء والناس: {كبائر الإثم} وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى وحمزة والكسائي: {كبير الإثم} على الإفراد الذي يراد به الجمع وهذا كقوله: {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} [الشعراء: 100]، وكقوله: {وحسن أولئك رفيقًا} [النساء: 69] ونحو هذا.واختلف الناس في الكبائر ما هي؟ فذهب الجمهور إلى أنها السبع الموبقات التي وردت في الأحاديث وقد مضى القول في ذكرها واختلاف الأحاديث فيها في سورة النساء. وتحرير القول في الكبائر أنها كل معصية يوجد فيها حد في الدنيا، أو توعد بنار في الآخرة، أو لعنة ونحو هذا خاصًا بها فهي كثيرة العدد، ولهذا قال ابن عباس حين قيل له أسبع هي؟ فقال: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع. وقال زيد بن أسلم: {كبير الإثم} هنا يراد به: الكفر. و{الفواحش} هي المعاصي المذكورة.وقوله: {إلا اللمم} هو استثناء يصح أن يكون متصلًا، وإن قدرته منقطعًا ساغ ذلك، واختلف في معنى {اللمم} فقال ابن عباس وابن زيد معناه: ما ألموا به من الشرك والمعاصي في الجاهلية قبل الإسلام. قال الثعلبي عن ابن عباس وزيد بن ثابت وزيد بن أسلم وابنه: إن سبب الآية أن الكفار قالوا للمسلمين: قد كنتم بالأمس تعملون أعمالنا، فنزلت الآية وهي مثل قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} [النساء: 23] وقال ابن عباس وغيره: ما ألموا من المعاصي الفلتة والسقطة دون دوام ثم يتوبون منه، ذكر الطبري عن الحسن أنه قال في اللمة: من الزنا والسرقة والخمر ثم لا يعود.قال القاضي أبو محمد: وهذا كالذي قبله، فكأن هذا التأويل يقتضي الرفق بالناس في إدخالهم في الوعد بالحسنى، إذ الغالب في المؤمنين مواقعة المعاصي، وعلى هذا أنشدوا وقد تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم: الرجز:وقال أبو هريرة وابن عباس والشعبي وغيرهم: {اللمم} صغار الذنوب التي بين الحدين الدنيا والآخرة وهي ما لا حد فيه ولا وعيد مختصًا بها مذكورًا لها، وإنما يقال صغار بالإضافة إلى غيرها، وإلا فهي بالإضافة إلى الناهي عنها كبائر كلها، ويعضد هذا القول، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا لا محالة، فزنى العين: النظر، وزنى اللسان: المنطق، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه فإن تقدم فرجه فهو زان، وإلا فهو اللمم» وروي أن هذه الآية نزلت في نبهان التمار فالناس لا يتخلصون من مواقعة هذه الصغائر ولهم مع ذلك الحسنى إذا اجتنبوا التي هي في نفسها كبائر.وتظاهر العلماء في هذا القول، وكثر المائل إليه. وذكر الطبري عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه قال: {اللمم} ما دون الشرك، وهذا عندي لا يصح عن عبد الله بن عمرو. وذكر المهدوي عن ابن عباس والشعبي: {اللمم} ما دون الزنا. وقال نفطويه: {اللمم} ما ليس بمعتاد. وقال الرماني: {اللمم} الهم بالذنب وحديث النفس به دون أن يواقع. وحكى الثعلبي عن سعيد بن المسيب: أنه ما خطر على القلب، وذلك هو لمة الشيطان. قال الزهراوي وقيل: {اللمم} نظرة الفجأة، وقاله الحسين بن الفضل. ثم أنس تعالى بعد هذا بقوله: {إن ربك واسع المغفرة}.وقوله تعالى: {هو أعلم بكم} الآية، روي عن عائشة أنها نزلت بسبب قوم من اليهود كانوا يعظمون أنفسهم ويقولون للطفل إذا مات لهم هذا صديق عند الله، ونحو هذا من الأقاويل المتوهمة، فنزلت الآية فيهم، ثم هي بالمعنى عامة جميع البشر، وحكى الثعلبي عن الكلبي ومقاتل أنها نزلت في قوم من المؤمنين فخروا بأعمالهم، وقوله: {أعلم بكم} قال مكي بن أبي طالب في المشكل معناه: هو عالم بكم. وقال جمهور أهل المعاني: بل هو التفضيل بالإطلاق، أي هو أعلم من الموجودين جملة، والعامل في {إذ} {أعلم}، وقال بعض النحاة العامل فيه فعل مضمر تقديره: اذكروا إذ، والمعنى الأول أبين، لأن تقديره: فإذا كان علمه قد أحاط بكم وأنتم في هذه الأحوال فأحرى أن يقع بكم وأنتم تعقلون وتجترحون، والإنشاء من الأرض: يراد به خلق آدم عليه السلام، ويحتمل أن يراد به إنشاء الغذاء. و: {أجنة} جمع جنين.وقوله: {فلا تزكوا أنفسكم} ظاهره النهي عن أن يزكي نفسه، ويحتمل أن يكون نهيًا عن أن يزكي بعض الناس بعضًا وإذا كان هذا فإنما ينهى عن تزكية السمعة والمدح للدنيا والقطع بالتزكية، ومن ذلك الحديث في عثمان بن مظعون عند موته. وأما تزكية الإمام والقدرة أحدًا ليؤتم به أوليتهم الناس بالخير فجائز، وقد زكى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أبا بكر وغيره، وكذلك تزكية الشهود في الحقوق جائزة للضرورة إليها، وأصل التزكية إنما هو التقوى، والله تعالى هو أعلم بتقوى الناس منكم.وقوله تعالى: {أفرأيت الذي تولى} الآية، قال مجاهد وابن زيد وغيرهما نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي وذلك أنه سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إليه ووعظه رسول الله، فقرب من الإسلام، وطمع النبي عليه السلام فيه، ثم إنه عاتبه رجل من المشركين وقال له: أتترك ملة آبائك؟ ارجع إلى دينك واثبت عليه وأنا أتحمل لك بكل شيء تخافه في الآخرة، لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال، فوافقه الوليد على ذلك، ورجع عما هم به من الإسلام وضل ضلالًا بعيدًا، وأعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل ثم أمسك عنه وشح، فنزلت الآية فيه.وذكر الثعلبي عن قوم أنها نزلت في عثمان بن عفان في قصة جرت له مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح وذلك كله عندي باطل، وعثمان رضي الله عنه منزه عن مثله، وقال السدي: نزلت في العاصي بن وائل، فقوله: {وأعطى قليلًا وأكدى}، وعلى هذا القول في المال، وقال مقاتل بن حيان في كتاب الثعلبي المعنى: وأعطى من نفسه قليلًا من قربه من الإيمان ثم {أكدى} أي انقطع ما أعطى، وهذا بين من اللفظ، والآخر يحتاج إلى رواية. و: {تولى} معناه: أدبر وأعرض ومعناه عن أمر الله.{وأكدى} معناه: انقطع عطاؤه وهو مشبه بالحافر في الأرض، فإذا انتهى إلى كدية، وهي ما صلب من الأرض وقف وانقطع حفره، وكذلك أجبل الحافر إذ انتهى إلى جبل، ثم قيل لمن انقطع عمله: أكدى وأجبل.وقوله تعالى: {أعنده علم الغيب فهو يرى} معناه: أعلم من الغيب أن من تحمل ذنوب آخر فإن المتحمل عنه ينتفع بذلك، فهو لهذا الذي علمه يرى الحق وهو له فيه بصيرة أم هو جاهل لم ينبأ أي يعلم ما في صحف موسى وهي التوراة وفي صحف إبراهيم وهي كتب نزلت عليه من السماء من أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، أي لا تحمل حاملة حمل أخرى، وإنما يؤخذ كل واحد بذنوب نفسه، أي فلما كان جاهلًا بهذا وقع في عطاء ماله للذي قال له: إني أتحمل عنك درك الآخرة.واختلف المفسرون في معنى قوله: {وفى} ما هو الموفى؟ فقال ابن عباس: كانوا قبل إبراهيم يأخذون الولي بالولي في القتل ونحوه فوفى إبراهيم وبلغ هذا الحكم من أنه {لا تزر وازرة وزر أخرى}، وقال ابن عباس ايضًا والربيع: وفى طاعة الله في أمر ذبح ابنه. وقال الحسن وابن جبير وقتادة وغيره، وفي تبليغ رسالته والظاهر في ذات ربه، وقال عكرمة، وفي هذه العشر الآيات، {ألا تزر} وما بعدها، وقال ابن عباس وقتادة وغيره {وفى} ما افترض عليه من الطاعات على وجهها وتكلمت له شعب الإيمان والإسلام فأعطاه الله براءته من النار. قال ابن عباس: وفي شرائع الإسلام ثلاثين سهمًا. وقال أبو أمامة ورفعه إلى النبي عليه السلام {وفى} أربع صلوات في كل يوم، والأقوى من هذه الأقوال كلها القول العام لجميع الطاعات المستوفية لدين الإسلام، فروي أنها لم تفرض على أحد مكملة فوفاها الأعلى وإبراهيم ومحمد عليهما السلام ومن الحجة لذلك قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} [البقرة: 124].وقرأ ابن جبير وأبو مالك وابن السميفع: {وفى} مخففة الفاء، والخلاف فيما وفى به كالخلاف فيما وفاه على القراءة الأولى التي فسرنا، ورويت القراءة عن النبي عليه السلام، وقرأها أبو أمامة.والوزر: الثقل، وأنث الوزارة إما لأنه أراد النفس وإما أراد المبالغة كعلامة ونسابة وما جرى مجراها و(أن) في قوله: {ألا تزر} مخففة من الثقيلة، وتقديرها أنه لا تزر، وحسن الحائل بينها وبين الفعل ان بقي الفعل مرتفعًا، فهي كقوله: {أن سيكون منكم مرضى} [المزمل: 20] ونحوه، و(أن) في موضع رفع أو خفض، كلاهما مرتب.{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)}.قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان} وقوله بعد ذلك {وأنه}، {وأنه} معطوف كل ذلك على أن المقدرة أولًا في قوله: (أنه لا تزر) وهي كلها بفتح الألف في قراءة الجمهور. وقرأ أبو السمال قعنب {وإن إلى ربك} بكسر الهمزة فيهما وفيما بعدها وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن قوله: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} منسوخ بقوله: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتم} [الطور: 21] وهذا لا يصح عندي على ابن عباس، لأنه خبر لا ينسخ، ولأن شروط النسخ ليست هنا، اللهم إلا أن يتجوز في لفظة النسخ ليفهم سائلًا، وقال عكرمة: كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمة فلها سعي غيرها، والدليل حديث سعد بن عبادة قال: يا رسول الله هل لأمي إن تطوعت عنها؟ قال: نعم. وقال الربيع بن أنس: {الإنسان} الذي في هذه الآية هو الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره. وسأل عبد الله بن طاهر بن الحسين والي خراسان الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله: {والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261] فقال ليس له بالعدل إلا ما سعى، وله بفضل الله ما شاء الله، فقبل عبد الله رأس الحسين. وقال الجمهور: الآية محكمة. والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو في اللام من قوله: {للإنسان} فإذا حققت الشيء الذي هو حق الإنسان يقول فيه لي كذا لم يجده إلا سعيه، وما بعد من رحمة ثم شفاعة أو رعاية أب صالح أو ابن صالح أو تضعيف حسنات أو تغمد بفضل ورحمة دون هذا كله فليس هو للإنسان ولا يسعه أن يقول لي كذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو له حقيقة. واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته ببدن ولا مال. وفرق بعض العلماء بين البدن والمال، وهي عندي كلها فضائل للعامل وحسنات تذكر للمعمول عنه. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدًا بالصدقة عن أمه، والسعي: التكسب.
|